الجمعة، 19 أغسطس 2011

يوميات ثورة من ع الكنبة (5) .. تنحي







من لا ماض له فهو بلا مستقبل .. فالمستقبل ما هو إلا نتيجة مباشرة لتجارب الماضي .. إما أن تكون في مجملها جيدة تنبئ بمستقبل مبشر أو لا ولتلك مستقبل آخر ...
لم أستطع أن أكمل أحداث الثمانية عشر يوما دون النظر لما حدث بعدها .. لا أستطع الإحتفال معكم بالتحني وكأنه نهاية الثورة ونصرها و أنا كلي أسى و حسرة على المرحلة الإنتقالية ..
هل حقا أسقطنا النظام ؟؟ .. وما هي مهية هذا النظام أساسا ؟؟ .. هل كان النظام آل مبارك و الثلاثي المرح ومعاونيهم من كبار المسئولين ؟؟ .. أم أن النظام هو كل موظفي الدولة كبارا كانوا أو صغار ؟؟ .. هو أبي وأبيك .. أنا و أنت .. نحن لم نرد إسقاط أنفسنا فرضينا بإسقاط الثورة !!! ..
هل حقا كان ماضي التحرير هو صانع مرحلة ما بعد التنحي ؟؟ ..
تجارب الوحدة التي عايشناها مع أول هتاف لم يفرق بين الحنجرة الناطقة به إلي آخر نبضة قلب في جسد شهيد .. إلي كل دمعة .. كل ضحكة .. كل لقمة عيش .. هل كانت أطفيح وكاميليا و الإستفتاء و الدستور و جمعة 29 يوليو مستقلبها ؟؟ !!! ..
هيبة الدولة التى وعانا التحرير إلي أنها لا تكون سوى للمصرين ومن يحافظ على كرامتهم .. هيبة الدولة التي فهمنا جيدا أنها ليست مبارك ولا نظامه .. هل تمثل هيبة مصر في المجلس وفقط هو مستقبل تلك المعية ؟؟ !!!..
تلك المحاكمات التي طالما هتفنا بها في التحرير .. تطهير البلاد .. العــــــــــــــــــــــــــدل .. هل كانت تلك الهتافات تنادي السجن الحربي ؟؟ !!! ..
وعم السيد من ترك أكل عيشه وخرج يهتف بإسقاط النظام .. هل هو نفس عم السيد الذي يلعن الثورة والتحرير يوميا ؟؟ !!! ..
أما مفجرة الثورة .. وزارة الداخلية المصرية .. هل أصبح مستقبلها عسكري الميدان الراقص ؟؟ !!! .. هل أصبح الأمن الذي تحققه هو ترك البلطجية يعثون في مصر فسادا .. قطع طرق .. سرقة .. عنف .. والنتيجة ترك الأمن ولعن الثورة !! ..
لما هان هتاف الثورة الأول " عيش .. حرية .. عدالة .. إنسانية " .. لما ذلوا بعيشهم فكرهوا حريتهم ؟؟ .. لما ظلموا وهو لا يطالبون سوى بالعدل ؟؟ .. لما هانت إنسانيتهم على الكل و أصبح رأيهم رأي جاهل و ليقرر عنهم المجلس أو النخبة ؟؟ ..
لما اختفى الحشد ؟؟ ..فكروت النظام طوال الثمانية عشر يوما والتي تم حرقها جميعا هي نفس الكروت التي مازالت تستخدم إلى الآن .. فلما إذن نسوا ماضيهم و تركوا حاضرهم ومستقبلهم فريسة النظام الذي لم يسقط بعد ؟؟ !! ..
أم أن الحشد تفرق كل في قناته المفضلة .. كل يهتف هتافه المفضل و يصب اللعنات على الباقيين ..
وكيف يكون نظام الثورة هو نفسه لوءات المحافظين و حكومة لا تملك لسانها ؟؟ !!
من منا مسئول عما تؤول له المرحلة الإنتقالية .. المجلس أم الثوار ؟؟
من قســـــــــــــــــــــــــــــــــــــم التورتة و الدم يغطيها ؟؟
و أما عما قبل التنحي .. وسط الملل الإخباري و التصريحات طل علينا من شاشة دريم وائل غنيم .. نعم الثورة ليست وائل .. لكن وائل لم يعش يوم الغضب و لا ما بعده .. فشعوره متوقف لمرحلة ما قبل جمعة الغضب .. أشعرنا وائل بحديثه كم أن ما نحياه ليس بسهل .. منذ عشرة أيام فقط لم نكن لنحلم بترك وزير الداخلية لمكانه و اليوم نأبى إلا رحيل مبارك نفسه !! .. أمر عجيب ..
الخميس 10 فبراير .. بدايته كغيره من الأيام ممل سوى من فيديو وائل غنيم الشهير .. ولا شئ آخر .. اليوم يمضي و مجالس " الحكماء " تطل علينا كل يوم بافتكاسه جديدة .. البعض ينادي بالكف عن الثورة .. والبعض ينادي بعمر سليمان بديلا .. وآخرون على خطى الدستور ينادون برئيس المحكمة الدستورية بعد تنحي مبارك .. لكن الكل يذوب صوته داخل صيحات الميدان .. " مش هنمشي هو يمشي " ..
و طل علينا مساء تلك اليوم بمشهد عجيب .. المجلس الأعلى للقوات المسلحة مجتمع بدون القائد الأعلى – مبارك – و المجلس في انعقاد مستمر .. بل إن ألسنتنا هي التي انعقدت ولا أحد يستطيع التفسير .. أمر ما يلوح في الأفق .. شئ ما سيحدث اليوم .. ولم تدم حيرتنا طويلا فها هو التليفزيون يعلن عن خطبة ثالثة لمبارك بعد قليل .. و الأنباء تتوارد حتى من امريكا بأن اليوم هو يوم التنحي ..
الفرحة تملأ أرجاء مصر .. فاليوم هو اليوم الموعود .. يوم إزاحة ذاك الفرعون عن عرش الملكة .. اليوم سنتنفس عبير الحرية .. ولأول مرة في حياتي سأعرف رئيسا غيره ..
لكن الأمر لا يخلو من بعض القلق .. ماذا و إن خالف جميع التوقعات ولم يفعلها .. ماذا وإن ترك ذلك السليمان الذي أخشى منه ؟؟ .. لكني سريعا ما استرجع عقلي و أكذب قلبي ..
تمر الساعات ولم يظهر .. و القليل الذي أعلن عنه تليفزيون مبارك كان كثيرا جدا .. و القلق يزداد مع حركات الساعة .. يارب سلـــــــــــــــــــــــــــم ..
وهنا حدث لي شيئا إلهيا غريبا .. أدرت التلفاز لأجد شاشة العربية تعلن بأن مبارك سيؤكد أنه لن يترشح ثانية .. مبارك سينعي الشهداء .. مبارك سيأمر بتعديل خمسة مواد من الدستور و إلغاء واحدة .. مبارك سيفوض سلطاته لسليمان ... مـــــــــــــــــــــــــــــــــاذا ؟؟ !!!! .. كانت تلك المعلومات قبيل خطاب مبارك بدقائق معدودة .. قد خففت رندا أبو العزم من وطئ تلك الخطبة كثيرا فقد هيأتني نفسيا لبقية المسرحية الهزلية التي كان يعرضها مبارك في خطبه ..
وبدأ الحديث .. ها هو ينعي الشهداء ويعد بالقصاص مع إنه القاتل .. شيئا ما كان يخبرني بأنه سيتنحى .. لكن ذاك الشئ هرب سريعا مع ثاني لن .. لن وسوف و سأظل .. التحدي الكامل .. لن أترك مكاني ..
ويحز في نفسي .. يحز في نفسه أن نخرج لنطالب بخلعه .. فما هو إلا بطل الحرب والسلام .. القائد المغوار ..
و سأفوض سلطاتي – بفتح السين واللام وضمهما - .. كيف لن وسوف وستظل و ستفوض .. عروستي؟؟ !!!
كانت محبطة ؟؟ .. كانت أكثر من محبطة .. الكل قد تجهز للتنحي سوى شخص واحد ..
المجلس ثانية بدون القائد الأعلى يخبر بأنه سيحرص على تنفيذ ما جاء به خطاب السيد الرئيس ...
وسليمان في وضع أشبه بحلف يمين رئاسة الجمهورية ... سليمان يعلن أنه سينفذ المطالب و سيحرص على – حاجات كتير - .. ويدعوا الثوار لمغادرة الميدان !!! ...
لم أعرهم اهتماما كثيرا فقد كان عقلي وقلبي معلقان بشئ واحد .. هتاف الميدان .. " بكره بعد العصر هنهد عليه القصر " ... " لا مبارك ولا سليمان " .. الحمد لله أن الأمر بهذا الوضوح فلا شئ بديلا عن الرحيل ..
الزحف على الميدان في جمعة الخلاص بدأ من بعد الخطبة مباشرة .. الزحف أيضا باتجاه القصر الجمهوري .. القصة انتهت .. لن يرحلوا ولن يتخلوا عن حلمهم ...
وسط تلك الأحداث الساخنة خرج علينا تليفزيون مبارك بنبأ بيان هام من رئاسة الجمهورية .. الكل كف عن التوقع فلا أحد يتحمل خذلانا آخر ..
صليت المغرب وأنا أدعي بكل جوارحي أن يكون أمرا جيدا .. وما إن أنتهيت حتى وجدت سليمان على الشاشة يخبرنا أن مبارك قد ذهب عنا .. مبارك قد رحل بلا رجعة .. قد خلعناه حقا !!!! ..
احكي و احكي عما حدث في شوارع مصر في تلك الليلة .. احكي و احكي عما حدث في كل شارع من شوارع الوطن العربي في تلك الليلة .. قد بثتها تونس إلى العالم و جعلتها مصر ممكنة ..
و الآن يعلم الجميع أن شباب الوطن العربي قادر على أن يهزم أعتى نظام بوليسي في ثمانية عشر يوما فقط !!
ما بين التنحي 11 فبراير و جمعة النصر 18 فبراير ثار عدد من الدول العربية والتي لاتزال بعضها في طور الثورة إلى الآن و البعض تم القضاء على ثورتها آجلا .. لكن الأمر أصبح هينا يكفي أن تؤمن به و سيتحقق ..
يكفي أن تؤمن به وسيتحقق .. هذا ماضي التحرير ومستقلبه .. أما مستقبل الردة هذا ليس من صنع الثورة فليراجع كل منا نفسه و ليتذكرأن الثورة في أرواحنا لا في بيانات المجلس أو الأحزاب أو الجماعات ... الثورة لم ولن تنتهي إلا بعد أن تنتهي ...