الخميس، 11 أغسطس 2011

يوميات ثورة من ع الكنبة (३) .. الأمر بيدك








إن كان للثورة شعور رسمي .. فعندي هو الخوف .. الخوف من فقدانها في أي لحظة .. الخوف من فقدان طعم الكرامة بعد استراجاعها وهو طعم يستغيثه كل حر ..
صبيحة يوم السبت 29 يناير .. سكون ما بعد العاصفة .. الكل يتحرك بهدوء شديد .. تكاد تخلو الشوارع إلا من عساكر الجيش .. ومتظاهرين ..
الوضع على الأرض يشبه وضع ما بعد معركة ..
مشهد المباني المحترق جليل .. يسطر عبارة واحدة في صفحات التاريخ .. " لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً " .. هكذا لسان حال مبني الحزب ومركز شرطة الأربعين وكل رمز للظلم احترق ..
اليوم الأمر لا بيد أحد غيرك ..
الأمر بيدك جيشنا ولك الخيار أن تستمع للاوامر و تضرب طائرتك المحلقة في سماء الميدان المتظاهرين أو لا..
الأمر بيدك أيها الحاكم أن تكتفي بما فعلت وترحل أو لا ..
الأمر بيدك أيها الشعب أن تحمي بيتك و تبطل كارت الإرهاب الأول أو لا ..
الأمر بيدكم ثوار الميدان أن تكملوا الثورة أو لا ..
كانت أحداث السبت مليئة بالإيحاءات .. الجيش يبدو أنه قرر ألا يضرب – حفاظا على كيانه كما اعتقد – وترك الثوار يفعلون ما يشاءوون .. فالأهم عنده هو الجيش حتى وإن اضطر للإطاحة بالقائد الأعلى ..
الشعب قرر أن يحمي بيوته .. لا تدري أيهم يفعلها كي لا يلوى أحد ذراعه و يكمل الثورة و أيهم يفعلها لأنه يضطر ذلك بعد أن تخلت الشرطة عن قسمها وتركتهم عن عمد فريسة للبلطجية الذين اخرجتهم هي من السجون ..
الحاكم قرر التحدى .. لا يخلوا الأمر من بعض التنازلات القليلة جــــــدا التي تشبه الدعم الذي يذل الشعب به ليل نهار .. وقرراخيرا أن يعين نائبا
الثوار لم يكتفوا واعلنوا عن تحد جديد .. أول مظاهرة مليونية .. مليونية الثلاثاء .. الدعوة إن لم يستجب لها مليون فهي مخاطرة كبيرة للثورة كهذا كنت أفكر ..
أما أنا .. أحبس أنفاسي وأنا اتابع ما يحدث .. في انتظار الحكومة الجديدة والتي كانت نسخة طبق الأصل من القديمة سوى من عدد قليل من الوزاراء أبرزهم العادلي ..
في انتظار التعامل مع المتظاهرين من قبل الجيش والذي ظل لغزا دائما عندي فالمشهد مرتبك .. كيف يظهر مبارك في غرفة العمليات مع المشير وكيف يذكرون أنهم يحترمون المطالب المشروعة للشعب والتي كان قمة هرمها رحيل مبارك ؟؟.. الأمر أكثر التباسا علي فتلك الطائرة المحلقة على الميدان ما غايتها ؟؟ .. ءلضرب أم شئ آخر لا أعلمه !! ..
في انتظار أن أفهم لم نائبا .. لم أكن قبلها اعلم عن عمر سليمان سوى أنه رئيس المخابرات المنتظر منذ زمن تعيينه نائبا و لم أكن أعلم غير هذا .. من هو ذلك الرجل ؟؟ وما موقفه ؟؟ .. الأمر انتهى عندي بجملة واحدة .. " عمر سليمان المسئول عن ملف القضية الفلسطينية و ملف السوادان " .. فلسطين والسودان .. اه منك أيها العجوز .. تعين نائبا على شاكلتك .. نائبا مسئولا عن ملف فلسطين وكلنا يعلم أنك تقتل من أبناء فلسطين عدد ما يقتله نظام اسرائيل حصارا وجوعا ومرضا .. نائبا مسئول عن ملف السودان الذي لم يمر على انقسامها وما يتبعه من خطر على الأمة العربية كلها سوى شهر ... ونعم ..
في انتظار أن أرى تعامل النظام مع مليونية الثلاثاء ... ولم انتظر كثيرا .. تم فصل القاهرة عن باقي مدن مصر .. لا قطارات والكمائن على كل المداخل .. لن يدخل أحد إلي القاهرة إلا على جثتي هكذا كان لسان حاله ..
والتليفزيون الرسمي يقوم بدوره.. لم أكن اتابعه كثيرا كي لا يصيبني الشلل .. لكن ذلك المشهد المضحك رأيته بأم عيناي .. اتصال هاتفي من أحد المشاهدين :
المذيع : هل ستنزل الميدان يوم الثلاثاء
المشاهد : نعم
المذيع : بس دول بيقولوا أن البلطجية هيستغلوا إن الناس نازلة وهيسرقوا البيوت – بيسمع أفلام عربي محروقة كتير – بلاش تنزل بكره .. انزل في يوم تاني – يعني ينزل مليونية التلات يوم الاربع .. سكر والله –
لازال كارت البلطجة جـــــــــــــــــاري والرصيد لم ينفذ بعد ..
حبس أنفاسي يوم ثلاثاء الغضب و نزلت دموعي و ارتعش قلبي فرحا .. الأمر لم يكن خطيرا كما ظننت لكنه كانت ريشة أخرى في لوحة اسقاط النظام التي مازالت مستمرة .. المشاهد في الميداين تهز أرجاء الكون وتعلن عن ميلاد شئ جديد على أرض مصر .. ميلاد الإرادة ..
شكرا لنظام مبارك إن لم تمنعوا الناس من دخول القاهرة لخلت المحافظات .. شكرا كثيرا قد ساهمتم في انتشار الثورة أفقيا في نفس الوقت الذي انتشرت فيه رأسيا بشكل كبير
الثلاثاء كان مختلفا ككل أيام الثورة .. اليوم نثبت شيئا جديدا .. ويبدو أن الرجل من العشرة الطويلة معنا قد وعى الدرس جيدا و قرر التنحي .. لسان حالي عندما عرفت بأمر الخطبة ..
الخطبة الثانية .. كمثيلتها الأولى الطموحات ترتقي للتنحي و المعطيات اليوم أقوى .. لكن لم يتنحى .. حنقي عليه تزايد و تزايد .. لم يحي الشهداء بل ظل يمدح في نفسه وفي حربه و في سلامه وفي انجازاته .. وظل يتحدث كما لو كان يملك الأمر كله بيده ولم يفلت منه شئ ..
لم أكن أتنوى الترشح – يا راجل يعني انتويت ولا ايه ؟؟!! - ..
البرلمان الذي وقف منذ شهرا يمتدح حزبه على الأغلبية وعلى قدرتهم التنافسية يقف الآن ليقول أنه سينظر في الطعون ..
و سيصدر الأوامر للبرلمان – اللي اصلا مش هيكون موجود عشان كله مزور .. البيضة ولا الفرخة حيرتني معاك ؟؟ - لتعديل المادة 76 – وان شاء الله هتخليهم بدل 250 عضو يبقوا 150 بس – والمادة 77 .. و حفظ الله مصر ..
خطبة مخيبة للأمال بالنسبة لي .. خطبة جعلتني أمقت كل دقيقة ظننت فيها أنه سيفهم و سيترك الحكم .. لكن قتل 800 مصري الجمعة و يتحدث يوم الثلاثاء عن حربه وسلامه!!! ..
نمت وكلي حنق على ما فعله وظل يفعله .. وكان يوم الاربعاء شئ آخـــــر ..
عاد النت .. وسيلة اتصال الثورة ومركز تخططيتها وشعلتها .. قلبي ينتظر على أحر من الجمر أن يقرأ تعليقات الثائرين .. واذا بي في صفحتي الرئيسية أجد ...
" أنا عيطت امبارح وأنا بسمعه " .. " أنا زعلانة على أني في يوم ساندت الثورة " .. " رجل عظيم أبى الهروب " .. " راجل كبير احترموه " ..
ظننت لوهلة أني كنت أحلم يوم أمس وأني لم اسمع الخطبة .. لكن الأمر حقيقي ..
الأمر بيدك أن تصبح أبلة وتنسى الدم أو تصبح من مخربي مصر وتأبى إلا اسقاط مبارك ...
أصابتي الدهشة والحزن الشديد وقتلت تلك العبارت في داخلي احساس الكرامة .. لم أكن اتخيل ابدا أننا بهذا القدر من السذاجة و عدم الوعي .. رجل عظيم أبى الهروب !!! لاتزال تلك العبارة تصدم بجدران عقلي إلي الآن و تشل مراكزه ... ءلهذا الحد تعليمنا أخرب عقولنا ؟؟.. ألهذا الحد وصل إجرامك يا مبارك ؟؟ .. أسقطت عنه تهمة الدم ؟؟.. إني إلي يوم كتابة تلك السطور لم أفهم لما أثرت تلك الخطبة في الناس لكني وإن فهمت كيف أبكت ربة منزل لا تعلم عن للسياسة شئ ولا تعلم أن مبارك هو رئيس الحكومة وسياسته هي ما تسببت في ما تحياه من مآسي.... فلن أفهم ابدا لم أسقطت عن مبارك كل التهم ووجهتها لنا..
إن الذهول ملتصق بكل قطرة من دمي .. اشكرك ثانية يا مبارك على قطع الاتصالات التي حمتنا من ذاك التيار أم ابغضك على قطعها فعميت الناس عن رؤية الحقيقة و كل عيونيهم أصبحت كعيون كاميرا تليفزيونك لا ترى سوى صفحة النيل الهادئة ؟؟!!!...
تركت النت و كل ذرة من عقلي وقلبي تلعن كل يوم بقيت فيه حاكما لمصر .. تركت النت وأنا أظن أن تلك نهاية الأمر .. ظننت أنه في ذاك اليوم سينتهي كل شئ .. وأن الثورة ستصبح في كتاب التاريخ جمعا من القلة المندسة ضد قائد عظيم أبى الهروب
ويبدو أن ذهلول الصباح لم يعد يكفي .. الذهول تحول لشئ من الشلل في الظهرية وعيناني تلتقط ما يحدث في التحرير .. للحظة وكعادتي دائما يدوى صوت أحدهم في عقلي .. للحظة دوى صوت صديقتي التي أصرت صبيحة الأربعاء أن نكف عن الثورة حتى لا نتحول إلي عراق آخر .. للحظة فقط .. ثم عاد صوت عيوني المتابعة لكارنيهات أمن الدولة والداخلية التي تسقط ممن يأسروهم من المعتدين على الميدان ॥
الميدان ظهرية يوم الثاني من فبراير يسجل تاريخا ... الأعتداء تطور من الطوب إلي الهجوم بالأحصنة والجمال !!!!!!!! ... أي نظام هذا الذي نواجه ؟؟ .. لم تنفعك رصاصاتك و لا رشاشاتك أتظن أن عودتك لعصر ما قبل التاريخ ستفيدك ؟؟؟
ويبدو أن أحدهم كان ينتصت إلى صوت عقلي و حول الهجوم إلي هجوم قناصة .. وإلى ملوتوف ..
الإصابات تتزايد بشكل جنوني .. المدد من الأدوية و المعدات الطبية لا يكفي .. وأنا حابسة أنفاسي وأنظر .. لم تكن أعصابي في ذلك اليوم تقوى سوى على متابعة الخط الفاصل بين الثوار وبلطجية الحزب .. وكل نبضة من قلبي معلقة و فقط بتلك الخطوات التي يتقدمها كل طرف على الثاني .. في خلفية الأحداث كنت اسمع صوت نداءات المطالبة بمدد طبي .. اسمع صوت الميدانيين يفضحون كل واحد يأسروه و يجدون معه كارنيه حزب أو امن .. كنت اسمع في الخليفة صوت صراخ عقلي .. صوت بكاء قلبي .. وكلي ينهار الآن مع الحلم ...
وسط تلك الحالة من الشلل العقلي الكامل تذكرت شيئا واحدا .. أين الجيش ؟؟؟
الجيش مرابط بالميدان و لكن القتلى يتزايدون .. أهذا هو الميثاق اذن .. لا ضرر ولا ضرار .. لا ضرب ولا حماية .. يفعلون ما يشاؤون ويفعل بهم ما يفعل .. نحن لا صالح لنا بهم .. فقط تماسك الجيش هو الأهم ..
إني أحملها في قلبي إلى الآن ولن أنساها ابدا .. الجيش لم يكن حياديا في ذلك اليوم بل شارك بتركنا للحزب في القتل .. شارك وإن لم يحمل سلاحا و يضرب ... فحماية أبناء مصر عقيدته ولم تكن ابدا الحفاظ على تماسكهم و ليهذب الجميع إلي الجحيم أو هكذا أعلم ..
ظللنا على هذا الحال من الهجوم طوال ساعات ولم ينقضي الأمر سوى في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي .. كان قلبي حزين على من استشهد في هذا اليوم .. لكني علمت أن يوم الثاني من فبراير هو من حولها إلي ثورة لا تقبل القسمة على أي عدد و إن ظل في نظر البعض رجل عظيم أبى الهروب ..
و شكرا للمرة المليون لنظام مبارك على موقعة الجمل .. ساهمت كثيرا في نجاحنا ولكننا اليوم الخميس نستعد لمليونية الرحيل ... مليونية جمعة الرحيل التي نجحت في الحشد بفضل موقعة الجمل التي أثبتت أن " ديل الكلب عمره ما يتعدل " ..
نجحت مليونية الرحيل في الحشد لكنه لم يرحل .. بعد أن سقط ثاني الكروت " الفتنة " وسط كارنيهات امن الدولة المتساقطة على أرض الميدان ودهسها الثواربأحذيتهم ... لكن الأمر لم ينتهي بعد .. سنكمل إن كان في العمر بقية