الأحد، 14 أغسطس 2011

يوميات ثورة من ع الكنبة (4) .. اســتنزاف







" تعرف فلان .. أعرفه .. عاشرته .. لاء .. تبقى متعرفوش "
كان يقيني بعد فشل موقعة الجمل بأننا سنتخطى كل شئ قادم .. الكارت الأفضل لضرب الشعب هو أن تضربه ببعضه وقد تخطينا الجزء العنيف منه يوم الثاني من فبراير وهو الجزء الأصعب .. لكن الرصيد لم ينفذ بعد و لازالنا نستطيع استخدامه ..
و كأي نظام قمعي في العالم لطالما عمل نظام مبارك بمبدأ " الوقاية خير من العلاج " .. فقد تفنن مدة عقود في افساد مصر كلها من نعومة أظافر أصغر طفل حتى انحناء ظهر أكبر كهل ..
افساد عقلي أولا بتعليم وصفه بالخرب ينصفه وإعلام كالسرطان ينتشر في خلايا كل من يلتصق به و يدمرها و يفقد متابعيه كل خواصهم الحياتية ...
واجهاد اجتماعي .. لا عقل سليم في جسد مريض .. وهكذا كان .. لا يوجد مصدر واحد للعدوى و لا تجده في مصر !! .. وعن الأمراض المتوطنة فحدث ولا حرج .. انظر في ترتيب الدول من حيث أمراض الضغط والسكر و الالتهاب الكبدي بأنواعه و سرطان الكبد .. انظر وستجد اسم مصر في المراكز الأولى ..
مجتمع كهذا بلا تربية عقلية و منهج حياتي لا يخرج من كتاب الوزارة – ما هو مفيش حاجة بتجي من بره ولا حتى من سلاح التلميذ - .. مجتمع هكذا نسبة الأمية فيه تصل لنصف المجتمع – ولا أقول الجهل فمش كل من دخل المدارس متعلم - .. مجتمع هكذا يعاني المرض والفقر و لا تتوافر لديه الحد الأدنى من الحاجات الأساسية لا أقول العيش الكريم .. مجتمع هكذا "بيطفح فيه رب الأسرة الكوتة " كل يوم سعيا على رزقه .. مجتمع هكذا أصبح حلم كل شاب فيه أن يرى نفسه يوما كأبوتريكة .. مجتمع هكذا لا يستطيع حتى تنفس هواء نقيا .. مجتمع كهذا هو بيئة قمعية ممتازة .. فلا أحد فيه سينطق .. من ينطق فهم قلة " مندسة " و سيكون إسكاتهم سهلا
كهذا صنع مبارك ونظامه نظاما محكما للقضاء على ما قد يعكر صفو حكمه الأبدي .. فوقاية نظامه من أن يتم رفضه أفضل ملايين المرات من علاج هذا الرفض إن حدث !! ...
مرحلة ما بعد موقعة الجمل كانت مرحلة استنزافيه .. فكلا من الطرفين يرمى ورقة بعد ورقة وينتظر رد فعل الآخر .. ولا أجد ما يصفها سوى ذاك السؤال الذي كان يسأله أبي كلما عاد من العمل .. " ها فيه جديد ؟؟ " وكان الرد الدائم لي .. " لسه زي ما احنا مظاهرات والعدد بيزيد " .. كانت التفاصيل الإخبارية كثيرة لكنها مملة فلما أصدع بها دماغ أبي المتعب من عمله !!! ..
أدركت في هذا الإسبوع أن مبارك يعلم شعبه جيدا و ليس مغيبا كما يريدون أن يروجوا فهو يعلم كل شئ ..
فما استعمله من كروت في تلك الأيام يفضح تلك المعرفة .. المصري عاطفي فضولوي يميل للدراما ويحب رجل الدين .. وهكذا كان ..
ما بين تحريم المظاهرات تحت بند تعطيل بسكلتة الإنتاج وصولا للعبث الشديد الذي جعل رجل دين متحدثا " بدل ما تقول طول النهار الشعب يريد إسقاط النظام .. اذكر الله " في نشرة أخبار في تليفزيون النيل !!! ..- بعيدا عن موضوع الشيخ أول مرة أخد بالي أنه تليفزيون ( النيل ) يعني مهمته تصوير النيل ॥ احنا آسفين يا مناوي !!! .. -

وعلى ذكر المناوي وإعلامه .. الحرب الإعلامية أخذت منحنى آخر ..
عاطفي فضولي يميل للدراما .. التركيبة المثالية لترويج الشائعات .. ارمها كخبر يلمس القلب و يجذب السمع و اتركها له و انتظر .. وما بين تليفزيون المناوي و الجزيرة ارتباك شديد ..ومن تجارب الجزيرة السابقة مع المصريين.. و من واقعية أن نظرية المؤامرة متأصلة في الشعب المصري .. ومن الكره الفطري لكل ما يذكر بجواره اسمي امريكا و اسرائيل .. كل المعطيات تؤدي لطريق واحد ..
كشري عم سيد من السهل أن يصبح مفاعل نووي ممول من جهات أجنبيه .. ولتكون الكلمة رنانة و جديدة كي تشعرك بالأكشن .. أجنــــــــــــــــدات ...
وكانت الأجندات ما بين كنتاكي التحرير و الخمسين يورو " لكل من نزل مليونية " .. ما بين التدريب على صنع الملوتوف في بريطانيا و امريكا و تل أبيب – كلفوا خاطرهم بصراحة دي مشوار في تكتك لشبرا تاخد أكبر كورس ملوتوف وفوقيه كورس ضرب بالشومة هدية مجانية - .. وما بين التمويل الأجنبي .. وشهادة الشهود.. كنتاكي قد رآه حسن يوسف بأم عينه يوزع في الميدان .. والتدريب قد جاء لكم سيد وهناء بمصرية تدربت وأحست بالخطر البالغ على مصر فقررت الإعتراف ...
و حرب المشاهير الإعلامية .. وهنا لا أتحدث عن حرقة دم عفاف شعيب عندما كانت تتلوى من الجوع لأنها لا تسطيع أكل بيتزا وريش .. ولا عن دراما محمد فؤاد عندما ترك حلم مصر كلها و ظل ينادى على كل شاب غنى له و دموعه تخنق كلماته و يطلب الكف عن الثورة .. ولا عن تخطيط ومناشدات عمرو مصطفى و الذي طلب من كل مصري رأى أجنبي في أي مكان على أرض مصر أن يمسكه ويسلمه للشرطة بتهمة أنه أجنبي .. ولا عن إبراهيم حسن الذي طلبها صريحة من مذيع التليفزيون المصري بأن يمنعوا دخول الماء والطعام والأدوية عن الميدان نهائيا ... وقد رد المذيع عليه بأنهم فعلوا ولا فائدة – الإعترافات المسجلة عن إجرام النظام لابد وأن يعاد إخراجها وهي كفيلة للحكم عليهم - ولا عن كل مشهور خرج يساند النظام المجرم القديم ولا عذر له في ذلك فالاستقرار لا يأتي مع العبودية ...
ببساطة أنا أتحدث عن نجم الموسم .. تامر بتاع غمرة .. شاب مصري مجهول يتحدث من مكان مجهول بعد خروجه المستحيل من الميدان المسطير عليه من الأجانب و يبكى بحرارة و من بين كلامته تبرز كلمة الخلاص واضحة جــــــــــــــدا .. واترك عنان أفكارك لتناقل الخبر ... عاطفة فضول ودراما ..
بعيدا عن كل تلك اللقاءات والتي لم ألق لها بالا خلال الثمانية عشرا يوما و التي شاهدت معظمها ما بعد التنحي .. كانت عيوني متجة لمكان واحد فقط .. الميدان .. مرحلة الاستنزاف – وهنشوف مين نفسه أطول - ..
كان الفريق شفيق يطل علينا كثيرا هذه الأيام .. فتجده يوما في مؤتمر صفحي يتعامل بشياكة مع كل من يسأله برفق ومن يسأله سؤال حقيقي معارض لا يرد عليه – واسألوا راندا أبو العزم - .. وتجده يتحدث يوما في العربية ويوما في البي بي سي .. تارة يشكر في شباب الثورة و يقرر صرف بونبوناية لكل واحد فيهم .. وتارة تجده يتراجع عن شكره لأن أخلاق الثورة ليست أخلاقنا .. خبروني بالله عليكم كيف نتجرأ على خلع حاكم لم يترك جريمه لم يفعلها ولا نأخذ في اعتبارنا اتكتيت الثورات .. الشوكة في رقبته والسكينة قطعه بيها حتت ..
اختيار شفيق كان ذكيا و اعترف للعجوز بذلك .. شيك يتحدث الإنجليزية و هادئ يقنعك أنه يستمع إليك إلا أن تخرج له بسؤال لا يهواه و ستجده منفعل .. رجل هادئ كهذا إن خرجت منه كلمة أجندات فهي مقنعة ..
وكان لعمر سليمان نصيب عندي من الأحداث .. فهو يعلنها صراحة بأن الميدان أجندات أجنبية و هذا أسقط – والحمد لله - الدعوات المطالبة بتحني مبارك وترك سليمان ينوب عنه في حكم مصر ..
كلما رأيت وجه سليمان على الشاشة كان القلق يعتريني .. فالرجل للعامة هو رجل المخابرات الأول والمصري لا يعلم عن المخابرات سوى ما يبث إليه من دراما رأفت الهجان مرورا بالطريق إلى إيلات وصولا لأولاد العم .. لكن الرجل مسئولا عن ملف القضية الفلسطينية – الحصار والأنفاق والجدار الفولاذي – فكيف نأمنه ؟؟ وكيف يطالب البعض بأن يتولى الدفة بعد مبارك ؟؟ !! ..
كان ظهور سليمان في تلك الفترة كثير .. أبرزها دعوات الحوار .. كنت أتمنى أن أرى الطاولة فارغة إلا منه .. ولكن لم يحدث ذلك .. ها هي كارميرات العالم تصور ما يحدث يجلس سليمان ومعه جمع من " السياسيين " المصريين .. ولا تتوقف التنازلات عند هذا بل قد أجلس سليمان ومبارك " المحظورة " أيضا على الطاولة !! ..
إن انقسم الميدان لن ألوم سوى من ضرب بالثورة عرض الحائط وتخلى عن شرطها الأول لا تفاوض إلا بعد الرحيل وجلسوا على طاولة سليمان
وكان صوت التحرير الأول والأخير من يصنع نصف ثورة فقد حفر قبره بيده .. فالثورة لا تقبل القسمة على أي عدد .. الثورة لا حلول وسط فيها . إما أن تكمل الطريق أو لا تكون ثورة ..
والوحدة والحشد كان سلاح الميدان .. والحشد كان يتزايد يوما بعد يوم .. كانت الدعوات المليونية يوما بعد يوم .. لكن الحشد كان يتخطى المليون كل يوم .. والوحدة تجدها في صلاة جمعة التحرير و يد المسيحي تحمي يد المسلم في صلاته .. و يد المسلم تكتنف المسيحي في قداسه .. واللوحة الرائعة تكتمل يوما بعد يوم ..
كانت التفاصيل في الميدان تؤشر بالأمل .. لا تدري كيف يأتي بها هذا الشعب المكلوم على مقتل أولاده .. المحروم من حياة كريمة .. المريض الفقير الجاهل .. لا تعلم كيف يأتي بها وسط كل هذا .. لا تعلم كيف يرسم من الدم شفاه تبتسم ...

فتصبح البطاطا عنده هي قطع دجاج كنتاكي .. و يصبح جيبه الخالي من الجنيه المصري مليئا باليورو .. و تصبح لافتات الثورة وصلة كوميدية .. ويصبح الميدان أكبر قاعة أفراح وتتخلى الفتاةعن فستانها الأبيض و ترتضي أن يكون زواجها وسط تلك القلوب التي لن تجد مثيلا لها في البياض ..
وهنا تكمن الثورة .. الثورة في قلوب وأرواح المصريين لا في عقولهم .. فإن فكر بعلقه المادي فذلك الحداد لم يكن ليخرج يهتف بإسقاط النظام و كان سيجري على رزقه و تولع الدنيا .. هذه هي الثورة .. إنها ثورة لأجل الكرامة والعدل .. ثورة من أجل استراد الحق الضائع لي في بلادي التي أعشق كل ذرة فيها برغم عيوبها الكثيرة ..
فمن منكم لا يريد الثورة .. من منكم لا يشعر بالمهانة على أرض مصر .. من منكم لم يستخدم عبارة " يا عم احنا في مصر " كلما رأى أمرا منافيا لأي عقل .. من منكم يريد عبودية المال و لا يرغب بالحرية .. من منكم ؟؟ .. وكلامي هذا لعالم ميدان مصطفى محمود الذي لم ولن أفهم إلى الآن موقفه الغريب من رفض الكرامة وقبول العبيودية تحت بند لم نحظى به يوما في مصر " الإستقرار " .. أي استقرار هذا ونحن لا نمتلك الأرض !!!!
أسبوع ملئ بالتفاصيل كل منها تخبرك قصة و تذهب بي إلى استنتاج واحد ..
فاليوم أشعر أن رحيله قد اقترب ॥ لا بيدنا..بيد الله .. فتلك الجموع المخلصة لن يذهب أملها هباء أبدا ..

و إن كان في العمر بقية سنحكي الفصل الأخير ..