الثلاثاء، 23 أغسطس 2011

بردٌ وسلام .. قصة قصيرة طويلة لواحد بيحب !






لم يكن يوماً مقتنعاً بما حدث ، راجع نفسه كثيرا لدرجةِ فقدان القُدرةِ على النّوم.


كانت البداية مأساويةٍ إلى حد لا يُوصف. فكل الطرق لم تعد تؤدي الى روما ، وسقطت غرناطة في يد قوات مملكة "قشتالة" ، وبكى الملك بكاء النساء على ملكٍ لم يُصَن كالرجّال. قتلت البيروقراطية روما ، وانتشر البرابرة في الأنحاء !
لم يكن يًعلم بالتحديد السبب الكامن وراء ما يحدث. فتّش كثيرا في ذاِته المريضَة ، استيقظ على حقيقةٍ مؤلمة ، فهو مازال وحيداً ، ولازال العالم كئيباً. لامته نفسه على فعلته مع نفسه أبداً. والعاصمة لا ترحم ، فيبدو أن كل العواصم كذلك. والفلسفات الوثنية بعد ظهور المسيحية واعتبارها الدين المكرم للملكة لم تكن بقوة وثبات المسيحية ، رغم اجتهادات الفلاسفة ، وحتى تنازلاتهم بالتوحيد المشوب. دائما ما ينُقص شيئٌ ما القصة ، فليس معقولا ان يسيطر البرابرة على الجيش فجأةً بهذا الشكل !
لم يكن يدري - وهو صعلوك ، ورغم ذلك كان مهتما دائماً بتهذيب شعره - ما الذي دفعه إلى فعل ما فعل ، لم يأخذ تلك الفعلة الشنعاء - من وجهة لم تكن قط وجهة نظره ! - بعد تفكيرٍ عميق ، كما فعل اغسطينوس تماماً. فقد تتهاوى مملكته على رؤوس شعبه بسبب تحركٍ أهوج ، ولكن يظل نيرون مجنوناً في التاريخ رغم كونِِه ( صاحب مزاج) ! لكنّه - وعلى الأقل- فعلها بنفسه ، ولم يتآمر عليه المقربون ، ولم يتآمر هو إلا على نفسِه ، فلم يعلَم ان جزاؤها سيكون مفارقتها لهذا الجسد ، ربما إلى عاصمةِ أكثر رحمةً من تلك !

بدا متوتّراً ، لم يدرِ أيّ طريقٍ سَلك. كان على يقينٍ أن ممالكه تتهاوى أمامَها ، كيف ومتى وأين ؟ فلا فلاسفةِ نفعوه ، ولا حتّى تآمره على الكون. فقط تآمرت عليه نفسه فخانته؛ أو هكذا يرى. منفصِلاً عن الزقاق الذي ما انفكّ اعتبره صديقاً ، جلس بجوار "الرصيف" الملوّن حديثا من بعض شبابِ متحمّسٍ بعد ثورةٍ عظيمة. لم يعلم يوماً كيف يمكن أن تتجسد أمانيهم - ولو جزءٌ منها - في رصيفٍ ملوّن ؟ جلس بجواره مخاطبا لوناه الأبيض والأسود في تناقضٍ عجيبٍ ، تُرى هل ذاك الخندق المشتعل بنيرانِ ملتهبةٍ إلى حد قتلت طيور السلامِ المارةِ من فوقه من فرط طفح النّاس بقصصٍِ فاشلةٍ وتشوّهٍ نفسيّ سببه - كما يبدو - فشلهم في الوصولِ لمكنوناتِ أنفسهم ؟ أسيكون برداً وسلاماً عليه وهو الصعلوك ذو الشعر المهذب دائما ؟
ميقنٌ هو بنرجسيتهِ الفطرية أنّه سيكون رائعاً ومميزاً ، كما هي تماماً. فلم تكُن قطّ ليلةً كباقي الّليالي. خانَهُ قلبه هذه المرّه وتصرّف كما يحلو له ، تراقص على رموشٍ هي كالصراط، رموشها حارسةً أغلى لؤلؤتين ! ، فإمّا أن يشفَع لك عملك الطيّب ، وإما فلتسقط قتيلاً ؛ فقد تهاوت قلاع بيزنطة امام مدافع الفاتح بذنبِها ، فقد خطفت الأضواء من روما ، وتنازع الطليان. نعم : لا تحاول منطقة اللامنطق ، فنيرون مجنونٌ حقّا ! امّا اللاهوت فقد هزم الفلاسفة في القلوب. يشعر بلذةٍ ونشوة ، أحس باكتمال غير مبرّر...
ازداد قلقاً حينما علٍم أنّه يحمِلً سلاماً من أهل السلام. فكيف يوصل الرسول رسالةً إلى ذاته ، وعنوان الُمرسِل والمرسَل إليه ، حتى طابع البريد سواء ! اذن ، يرد الى مرسله. هكذا أخبرته مصلحة البريد.
حينها أيقن فقط وتأكّد ، أن عليه أن "يتسلق" الخندق ، فقد أحسّ أن هذا اللهيب المشتعل ماهو إلّا لإحراق الغربَاء والبرابرة المنتشرين في الأنحاء ، فربما كان عليه برداً وسلاماً ! فتلك الملكة تستحق المخاطرة ، بلا شك ، ﻷنه بيحبها بجد !

يتبع ،،،




أحمد العيص
الكاركاديه هو الحل

شكرا لأحمد جلال مكتشف الصورة..!